"تشنغدو-أوروبا-أفريقيا".. الصين تدعم المبادرة الملكية لدول الساحل بخط بحري جديد يربطها بميناء البيضاء عبر أوروبا
تعزّز الربط التجاري بين المغرب والجمهورية الصينية، بخط بحري جديد يربط بين آسيا وإفريقيا عبر أوروبا، أكدت شخصيات مغربية وصينية حضرت تدشين هذا الخط، اليوم الخميس، أنه لن يكون مجرّد ممر لوجيتسكي وسككي عابر للقارات فحسب، وإنما "امتداد للرؤية الملكية الاستراتيجية لدول الساحل الهادفة إلى تعزيز وصول هذه الدول إلى المحيط الأطلسي وتثمين هذه الواجهة البحرية وقطاع الموانئ في المملكة على أساس شراكة مربحة للجميع، بما فيها الجمهورية الصينية" التي تبدو مهتمة جدا بتعزيز ولوج صادراتها إلى المغرب وشركائها في دول الساحل من خلال دعم هذه المبادرة الملكية.
وعلى هذا الأساس، تم تدشين هذا الممر متعدد الوسائط "تشنغدو-أوروبا-أفريقيا"، رسميا، اليوم الخميس بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء التي سيتحوّل مينائها لمركز وصول البضائع بعد أن تسلك طريقا مشتركا للسكك الحديدية والبحر، قادمة من تشنغدو، مقاطعة سيشوان بجمهورية الصين الشعبية مروراً بأوروبا عبر هامبورغ الألمانية، قبل بلوغ مرسى ميناء البيضاء، في رحلة تمتد لـ 35 يوما، وذلك في إطار مساعي تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري التي ما لبتت المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية تُعبر عنها.
الوكالة الوطنية للموانئ تتعهّد بألا تتدخر جهدا لإنجاح المشروع
ويُعد الافتتاح الرسمي للطريق المتعدد الوسائط بين الصين، أوروبا وأفريقيا، الذي يأتي بمبادرة من إقليم سيشوان، فصلا جديدا في تاريخ المبادلات التجارية بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية، وفرصة باذخة يسعى البلدان لاقتناصها تجسيدا للطموحات التي تم تحديدها خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عقد عام 2021 في داكار، في إطار المشروع الكبير، الذي يمتد من عام 2022 إلى عام 2024، والمتعلق بالإلتزام المشترك بإقامة علاقات اقتصادية أقوى من أي وقت مضى.
وثمّن مصطفى فارس، المدير العام الجديد للوكالة الوطنية للموانئ، في كلمته خلال حفل إعطاء الانطلاقة للخط البحري الجديد بين الصين والمغرب عبر أوروبا وبالخصوص بين منطقة سيشلان والدار البيضاء، (ثمّن) هذه الشراكة الجديدة بين البلدين، معتبرا أن هذا الحل اللوجستي الجديد المشترك بين تشنغدو وأوروبا وأفريقيا ليس مجرد طريق تجاري، وإنما جسر بين القارات، وهو الرابط الذي يوحد الناس والاقتصادات من خلال التبادلات السائلة والديناميكية، كما أنه يعزز دور المغرب كلاعب رئيسي في التجارة العالمية ويعزز موقعه كبوابة استراتيجية لإفريقيا، في انسجام تام مع رؤية الملك محمد السادس، إذ أن هذا التعاون مع مقاطعة سيتشوان لتنفيذ هذا المشروع يمهد الطريق لنهضة حديثة لطريق "الحرير الأسطوري"، التي تتكيف مع التحديات والفرص في عصرنا.
وتعهّد فارس، في أول ظهور إعلامي له منذ تعيينه السبت الماضي من طرف الملك محمد السادس لإدارة الوكالة الوطنية للموانئ، بأن لا تدخر هذه المؤسسة أي جهد في تقديم الدعم والمساندة اللازمة لهذا المشروع، من أجل توفير كافة الظروف الملائمة لتعزيز تنمية التبادل التجاري بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية والدول الإفريقية، لافتا إلى أن ميناء الدار البيضاء، وهو الميناء التاريخي للمغرب، يقف اليوم كنقطة ربط أفريقية لهذا الطريق المتعدد الوسائط الجديد بين تشنغدو وأوروبا وأفريقيا.
ميناء البيضاء مركز محوري للمملكة على الأطلسي
يلعب ميناء الدار البيضاء، الذي يبلغ حجمه السنوي 27,1 مليون طن، بما في ذلك 1,2 مليون حاوية نمطية، دورا رائدا في التنمية الاقتصادية الوطنية، مع وجود أكثر من 30 خطا منتظما يربطه بمختلف الموانئ حول العالم، وهو ما يعني أن ميناء الدار البيضاء، باعتباره محور هذا الطريق العابر للقارات، سيلعب دورا مركزيا في تسهيل التجارة بين الصين وأوروبا وأفريقيا.
وفي هذا السياق، قال أنوار الحراق مدير ميناء الدار البيضا والجهة، إن انطلاق خط بحري جديد يربط ما بين الصين والمملكة، عبر شبكة اتصال الخط السككي نحو أوروبا من جهة شيندو بجمهورية الصين الشعبية ثم أوروبا وبالضبط هامبورغ بألمانيا نحو صوب ميناء الدار البيضاء، جاء ليُعزز المكانة المهمة والاستراتيجية للمملكة المغربية عبر موانئها وبالضبط ميناء البيضاء، الذي سيتحول إلى مركز للتبادل التجاري عبر جميع القارات وبالضبط القارة الافريقية وخاصة دول الساحل.
الحراق، وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، أشار إلى أن هذا الخط الجديد سيكون في مرحلته الأولى أسبوعيا لكن يوجد طموح مشترك لرفع دورياته بحيث سيصبح مرتين في الأسبوع، وبالتالي سيكون انطلاقة جديدة من أجل مظهرة تتميم السياسة الملكية الهادفة إلى إعطاء الواجهة البحرية الأطلسية القيمة والدور الذي سيلعبه قطاع الموانئ وبالضبط ميناء الدار البيضاء من أجل الرفع من مستوى التبادل التجاري عبر القارات وبالضبط القارة الافريقية ودول الساحل، وتطوير الاقتصاد كنتيجة حتمية لهذا المشروع.
ويُقدّر التبادل التجاري بين المملكة والصين، حاليا بما يزيد عن ثلاثة ملايين طن سنويا، وفق ما أكده الحراق لـ "الصحيفة"، موردا أن هذه العلاقة "تشهد دينامية مهمة وغير مسبوقة في السنوات الأخيرة سيما فيما يخص نشاط الحاويات بالدرجة الأولى حيث ارتفعت إلى 30 في المائة، ويعتبر ميناء البيضاء مهم جدا في هذا الخط للتبادل التجاري إذ يمثل 40 في المائة من مجموع المبادلات التجارية بين المملكة المغربية وجمهورية الصين، حسب المسؤول المغربي مضيفا: "نطمح لأن يكون التبادل متوازن ونتمكن من اغتنام الفرص من أجل الرفع من مستوى التصدير والزيادة قدما بعلاقات التبادل التجاري بين بلدنا والصين من خلال هذا الخط الرامي إلى تعزيز النسيج لاقتصادي و إيجاد الفرص والمنتوجات التي ستشكل فرصة للجانبين في إطار التعاون المشترك".
جهة البيضاء تلتزم بالمواكبة والدعم
إذا كانت الصين تبحث تعزيز ولوج صادراتها للمغرب وعبره صوب دول الساحل وأفريقيا عموما، فإن المغرب الذي يُعد من أوائل البلدان في أفريقيا التي انضمت إلى مبادرة "الحزام والطريق"، من خلال التوقيع سنة 2017 على مذكرة تفاهم تسمح للمملكة بإقامة عدة شراكات في قطاعات واعدة مثل البنية التحتية، والصناعات المتطورة والتكنولوجيا، يسعى بدوره إلى تأسيس شركات مختلطة في مختلف المجالات، وهو ما جعل جهة البيضاء تدخل غمار المواكبة والاستثمار في هذه الشراكة المثمرة مع الجمهورية الصينية، التي بدأت أولى بشائرها خلال الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس للصين الشعبية سنة 2016، والتي شهدت توقيع إعلان مشترك بخصوص الشراكة الاستراتيجية، بالإضافة إلى 32 اتفاقية، ومذكرة تفاهم في عدة مجالات.
وبهذا الخصوص، يقول عبد اللطيف معزوز رئيس جهة الدار البيضاء، في تصريح لـ "الصحيفة"، إن الانطلاقة للخط البحري الجديد بين الصين والمغرب عبر أوروبا وبالخصوص بين منطقة سيشلان والدار البيضاء، التي ستمتد إلى أفريقيا "يدخل في إطار تعزيز التعاون بين البلدين، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية استراتيجية بحضور الملك محمد السادس والرئيس الصيني في 2016".
وشدّد رئيس الجهة، في تصريحه لـ "الصحيفة"، على أن هذه الزيارة الملكية، كانت فرصة مهمة عبدت الطريق أمام تعاون استراتيجي كبير ومكنت البلدين من تعزيز علاقاتهما الثنائية في جميع القطاعات سيّما على المستوى الاقتصادي والتجاري، الأمر الذي تُظهره جليا الأرقام الرسمية حول حجم المبادلات بين البلدين، موردا أنه في هذا الاطار تم التوقيع بين إقليم سيشوان وجهة الدار البيضاء سطات على اتفاقية إطار لتعزيز التعاون بين المنطقتين، والذي سيساهم في تطوير العلاقات أكثر من أي وقت مضى.
هذت، وتجدر الإشارة إلى أن إقليم سيشوان في الصين، هو الذي بادر إلى فتح هذا الخط الجديد متعدد الوسائط "تشنغدو-أوروبا-إفريقيا"، الذي يعد ثمرة ثمينة للتعاون الصيني المغربي، مما يعزز مكانة المملكة المغربية كمفترق طرق استراتيجي تجاه إفريقيا، في انسجام تام مع رؤية الملك محمد السادس، لدول الساحل.
وبذلت المملكة المغربية، في السنوات الأخيرة، جهودا متواصلة لتعزيز التواصل وتنمية التجارة بين مختلف المناطق، كما وضعت نفسها كمفترق طرق تجاري يربط إفريقيا وأوروبا وآسيا والأمريكتين.، إذ أنه لن يؤدي هذا الممر إلى تحسين وسائل النقل اللوجستي بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية فحسب، بل سيعمل أيضًا على زيادة مستوى التبادل التجاري والثقافي بين هاتين الدولتين، مما يرمز إلى جسر يربط بين القارات الآسيوية والإفريقية وأفريقيا الأوروبية.
وحضر حفل التدشين الرسمي لهذا الممر اللوجستي اليوم الخميس بميناء الدار البيضاء، عن الجانب الصيني، وفد رسمي كبير من سيشوان، ومسؤولون من السفارة الصينية في مقدّمتهم السفير الصيني في الرباط، وأعضاء غرفة التجارة الصينية المغربية، وممثلو الدوائر الإقليمية والبلدية فضلا عن قادة الشركات الرائدة مثل بنك سيتشوان، وسيتشوان تايمز، وبامو تكنولوجي، ومجموعة ياهوا، وييبين هويمي، وفرع هواوي في شمال إفريقيا، برفقة وسائل إعلام صينية.